حوار حول المدرسة الزيدية مع المفكر والباحث اليمني  محمد يحيى عزان


بدر العبري: ما هي المدرسة الزيدية ؟ وما هي أهم معالمها بصورة مختصرة؟ وما هي الجوانب التي تتقاطع فيها المدرسة الزيدية مع المدارس الإسلامية الأخرى، وخصوصا المدرسة الإباضية، والمدرسة السنية، والمدرسة الشيعية الجعفرية، أوالإسماعيلية؟

وأيضا في جانب آخر ما هي المذاهب التي يتكون منها المجتمع اليمني؛ سواء كان مذاهب عقدية، أو مذاهب فكرية؟

محمد عزان: نعم، بسم الله الرحمن الرحيم، المدرسة الزيدية، والمذهب الزيدي، أو الفكر الزيدي؛ كل يسميه أو كل يصفه بالوصف الذي يراه مناسبا، نشأت كسائر المدارس في التاريخ الإسلامي، إلا أن المدرسة الزيدية لم تكن مدرسة فقهية  في الأساس، وإنما كانت المدرسة تجدد في جانب الفكر السياسي بالدرجة الأولى، فالمعلوم لدى المسلمين أنه في عصر التابعين وتابعي التابعين كان هنالك ثقافة سائدة عند المجتمع بأنه لا يجوز الخروج على الحاكم، وكانت هذه ثقافة لم تعد ثقافة سياسية، ولكنها صارت ثقافة دينية، باعتبار أن الحاكم معين من قبل الله، وأن الخروج على الحاكم قد يؤدي إلى الفوضى، وقد يؤدي إلى القتال، وقد يؤدي إلى أشياء كثيرة، وبالتالي كان هنالك صعوبة لدى العلماء، في عصرهم صعوبة في أن يقنعوا المجتمع بأنه يجوز الخروج على الحاكم الظالم طبعا وليس أي حاكم، شريطة أن يكون ظلم الحاكم قد وصل إلى مرحلة معينة؛ فليس كل من نختلف معه يجوز الخروج عليه، وليس كل ظلم يجوز الخروج عليه، ولكن هنالك مستوى معين. الإمام زيد بن علي تعرض لمحنة كغيره من علماء عصره، تعرض لمحنة وتعرض لمعاناة، وبدأ يفكر في تصحيح النظرة إلى مسألة الخروج على الحاكم؛ فبدأ يحاور علماء عصره، من زملائه ومشائخه ابتداء بأبي حنيفة، والأعمش سليمان بن مهران الأعمش، ومنصور بن المعتمر، وشعبة بن الحجاج، وزبيد اليامي، وكثير جدا من علماء عصره ممن هم في الأساس هم مراجع الرواية عند السنة، وعند الشيعة، بدأ يقدم لهم نظرية جواز الخروج على الحاكم الظالم؛ من أجل أن يغيروا شيئا من الواقع، فكان هنالك من يؤيد زيد في هذه المسألة، ولأن الإمام زيد اشتهر بهذه الفكرة كان كل من تبنى هذه الفكرة يقولون عنه زيدي، يعني أنه يتفق مع زيد في هذه الفكرة، لم يكن هنالك مذهب فقهي معين، ولهذا كانوا يقولون عن سفيان الثوري، قال أحدهم: فارقت سفيان على أنه زيدي، يعني: على أنه يقول بفكرة السيف، على أن يقول بفكرة الخروج، وكذلك قالوا عن حسن بن صالح بن حي: كان زيديا، يعني أنه كان يؤمن بفكرة الخروج، وصارت مسألة يومها؛ حتى أن بعضهم كان يعتزل الصلاة خلف بعض؛ يقول: تركت الصلاة خلف فلان؛ لأنه كان يرى السيف، هذه من الألفاظ التي كانت متداولة، حتى أن بعضهم استخدمها في ثقافة الجرح والتعديل، هذه كانت أساس الفكرة، نحن نريد أن نؤسس الفكرة من هنا، ثم عندما خرج الإمام زيد لقتال هشام بن عبدالملك، وقف إلى جانبه مقاتلون، وأيده مؤيدون، هذه المجموعة؛ سواء كان المقاتل أو المؤيد عرفوا بالزيدية؛ يعني أصحاب فكرة السيف أو الخروج، لم يكن هنالك منهج فقهي معين، الإمام زيد لم يكتب منهجا فقهيا معينا؛ شأنه شأن أبي حنيفة، شأن جعفر الصادق، شأن الأئمة المتقدمين، الذين هم قبل عصر الشافعي، وحتى قبل عصر الإمام مالك، ثم بعد ذلك جاء الإمام محمد بن عبدالملك النفس الزكية، وجاء إبراهيم بن عبدالله وغيرهم على نهج الإمام زيد، وصاروا يشكلوا جماعة، وبما أنهم صاروا يشكلوا جماعة، بدأوا يتحدثون عن مسائل في الفقه السياسي أولا، الذي يسمى الآن في كتب الفقه: فقه السير، تحدثوا عن شروط الإمام، ما الإمام؟ متى يعزل الإمام؟ متى يعزل الإمام؟ كيف يمكن أن يتعامل الإمام؟ ما هي واجبات الإمام؟ بدأوا بالفقه السياسي، ثم ترتب على الفقه السياسي مسائل فقهية أخرى؛ مثل: أحكام الحدود، ومثل أحكام صلاة الجماعة، مثل بعض أحكام النكاح والطلاق، هذه بدأوا يتحدثون عنها من منظور فقهي معين، فصار مجموع هذا يسمى المذهب الزيدي، حتى أنه عندما جاء الإمام الهادي إلى اليمن في أواخر القرن الثالث، عندما جاء إلى اليمن كان لديه أفكار تخصه، فقهية، لكنه كان في مسألة الخروج على الحاكم زيديا.


بدر العبري: قد يكون هنا أيضا نقطة مهمة؛ يعني هنا يتشابه مع المدرسة الإمامية؛ فيقولون عندهم: المذهب الجعفري؛ نسبة إلى جعفر الصادق، وهنا أيضا يقولون المذهب الهادوي؛ هل هي نسبة إلى الإمام الهادي؟

محمد عزان: نعم، المذهب الهادوي نسبة إلى الإمام الهادي، في المذهب الفقهي، لكن هو زيدي في الفكر السياسي، وهو هادوي في الفقه؛ يعني لديه مذهب خاص في الفقه؛ لأن الإمام زيد روي عنه روايات في الفقه، ولكنه لم يدون منهج فقهي، حتى الإمام أبي حنيفة هو لم يدون مذهب فقهي، وإنما دون عنه تلاميذه: محمد بن الحسن الشيباني، وأبو يوسف.


بدر العبري: يعني الإمام من البداية كان زيديا؟

محمد عزان: نعم، الإمام الهادي كان زيديا في الفكر السياسي طبعا، منذ البداية، وما زال، لكن في المدرسة الزيدية ليس هنالك مذهب فقهي معين، المدرسة الزيدية في الفقه مدرسة مفتوحة، يعني تخضع للاجتهاد، الذي يجمع المدرسة الزيدية في الفقه أنه يجوز الاجتهاد، وبالتالي تجد زيدي هنا يوافق الشافعي، يوافق أحمد بن حنبل، يخالف الهادي، يوافق زيد علي، يوافق الإباضية، يختلف معهم، يوافق الجعفرية، يقول لك: أنا لا أتقيد بقول قائل، وإنما أتقيد بقواعد، يعني المرجعية عند الزيدية تستطيع أن تقول هكذا: مرجعية الإمامية أشخاص، وهم الأئمة الإثنى عشر، مرجعية السنة كتب، وهي الصحاح الستة، ومرجعية الزيدية مجموعة قواعد، وبالتالي الذي يجتهد فهو زيدي.

بدر العبري:: الشق الثاني ما يتعلق باليمن؛ ما هي المذاهب الموجودة حتى الآن؛ سواء المذاهب العقدية، أو الفقهية، والتي يشترك فيها المجتمع اليمني عموما في شماله وجنوبه؟

محمد عزان: الآن في اليمن؛ طبعا بالنسبة للمذاهب الكلامية؛ هنالك مذهبين أساسيين المعروفين؛ الذي هو المذهب المعتزلي، والمذهب الأشعري، هذا في علم الكلام، الزيدية محسوبين في علم الكلام على المعتزلة، ولكنهم يختلفون مع المعتزلة في بعض المسائل التفصيلية، والأشعرية هم أيضا المدرسة الشافعية، والتيار السني بشكل عام، وفي الأخير ظهرت المدرسة السلفية التي هي ليست بمعتزلية، وليست بأشعرية، أو هي تنتقد الأشعرية؛ باعتبار أن الأشعرية يعتمدون على الكلام، والمدرسة السلفية تعتمد على النص.


بدر العبري:   قضية فلسفة النص الخفي عند الزيدية؛ الذين يقولون: إن الرسول ـ صل الله عليه وسلم ـ أشار لإمامة الإمام علي بن أبي طالب ـ كرم الله وجهه ـ عن طريق النص الخفي، وذلك عكس الإمامية الذين يقولون بالنص الجلي، كذلك بعض البكرية يقولون لأبي بالنص الخفي، والبعض بالنص الجلي، وآخرون يقولون: لا يوجد أساسا نص؛ فالرسول لم ينص؛ فما المقصود هنا بالنص الخفي عند الزيدية كفكر؟ وهل الجميع متفق على هذا الأمر؟

محمد عزان: النص الخفي فكرة أريد لها أن تكون مدخلا لعذر المخالف؛ لأن النص إذا كان خفيا؛ فهو يجوز مخالفته، بينما إذا كان جليا يعني واضحا بينا في المقصود فلا تجوز مخالفته؛ فمن ذهب إلى أن النص على الإمام علي نص جلي أي واضح؛ مثلا قال: هذا إمامكم من بعدي؛ فمخالفة هذا القول إما كفر أو فسق، ويترتب عليه البراءة، ولكن إذا قال: من كنت مولاه؛ فعلي مولاه؛ فهذا فهم منه بعض المستمعين أن المقصود منه هذا إمامكم؛ فدلالة النص ليست مباشرة، وبالتالي الذي يخالف، ويقول: لا، النبي لم يقصد هذا، أو أنا لا أؤمن بإمامة الإمام علي؛ لأن النص غير جلي؛ فهذا معذور؛ بمعنى أنه لا يكفر ولا يفسق، ولا يترتب عليه براءة؛ فمن هنا الإمامية لهم موقف حاد من الخلفاء الأربعة، والزيدية موقفهم ليس حادا، لكن الزيدية أيضا عبر الزمن كان لهم أيضا تيارات منفتحة؛ منهم من انفتح على الإمامية، وعرفوا بالجارودية، وكان رأيهم في هذه المسألة كرأي الإمامية في أن النص جلي، وفي أن من خالفه كافر أو فاسق، لكن هؤلاء قلة، المشكلة ليست في القلة والكثرة، المشكلة في الفترة الزمنية، أحيانا تكون الغلبة لسلطة تميل إلى الجارودية؛ فيكون صوتها أعلى، وتكون كلمتها أقوى، وأحيانا لا؛ فتكون سلطة الجارودية محدودة، وتستطيع أن تقول في اليمن: ظهرت الجارودية بشكل واضح في مرحلتين من التاريخ؛ المرحلة الأولى كانت أيام ما بعد زمن الإمام عبدالله بن حمزة (ق6)، أو في زمنه، طبعا لم يكن هو زعيمها عبدالله بن حمزة، فكان هذا جيل ظهرت فيه بعض الكتب وبعض الشطحات، وظهرت فيه بعض آراء الجارودية الحادة، وألفت فيه كتب السب والشتم واللعن ...إلخ، ولكن جاءت بعدها مدرسة صححت الفكرة؛ التي هي مدرسة الإمام يحيى بن حمزة، وأحمد بن يحيى المرتضى، ومحمد بن إبراهيم الوزير، وغيرهم. المرحلة الثانية التي ظهرت فيها الجارودية أيام الدولة القاسمية، بعد الألف؛ يعني من ألف وما بعد، وكانت أكثر ظهورا في أيام المتوكل على الله إسماعيل، مع أنه لم يكن جاروديا بشكل حاد، هاتين أهم فترتين ظهرت فيها الجارودية، وكان صوتها مرتفع، وألفت، وحتى إنك عندما تلاحظ الكتب الجارودية تجد أنها في هاتين الفترتين أكثر منها في أي فترة أخرى.


بدر العبري:  ما يتعلق يهذا الشق لعله هذان الكتابان؛ كتابكم (الصحابة عند الزيدية). الزيدية هل يقولون: إن جميع الصحابة عدول؟ وما نظرتهم للخلفاء الثلاثة بالذات؟

محمد عزان: بالنسبة للخلفاء؛ الزيدية فيهم، أنا حاولت في الكتاب هذا أن أجمع أكثر من سبعين قول لسبعين عالم من كبار علماء الزيدية، على أساس تكون المسألة واضحة للقارئ؛ لأن الإنسان يجد من هنا ومن هنا، الزيدية الأغلب منهم يقولون بالنص الخفي، وبالتالي لا تفسيق عندهم ولا تكفير، هذه المجموعة هم قسمين؛ قسم يترضى ويترحم ويدعوا لهم، وقسم منهم يتوقف مع حسن الظن، الفريق الثالث الذين هم الجارودية يتبرأون، لكن أيضا هم قسمين؛ منهم من يلوم، يذم، لكن لا يصل إلى درجة التكفير والتفسيق، ومنهم من يتجرأ ويذهب إلى درجة التفسيق والتكفير، وهؤلاء ممن تكلم عنهم أئمة الزيدية كما تكلموا عن بعض المذاهب.


بدر العبري: هل انقرضوا الآن، أو لا زالوا موجودين؟

محمد عزان:  لا كل شيء لا بد له من نصيب، وخصوصا مع الحركات المعاصرة كل ينبش ما يتناسب معه.


بدر العبري:   الكتاب الثاني (قرشية الخلافة)؛ أكيد أنت تتحدث عن الجانب القرشي من الأئمة؛ هنا تحدثت عن الخلافة وهي في الدولة الأموية والعباسية، ثم انقرضت عند الدولة العثمانية، والدولة الغزنوية، الآن طبعا لا يوجد لها وجود إلا طبعا البعض مثلا في المغرب أو الأردن يقول: نحن من الهاشميين؟

محمد عزان: انقرضت دولة الخلافة وجودا، لكنها ظلت فكرا، ما زالت موجودة، وتدرس على أنها نظرية دينية لا يمكن التراجع عنها، ولا يمكن التنازل عنها؛ لأنه كثيرا من علماء الأشعرية ادعوا أو زعموا أن هنالك إجماع على كونها في قريش؛ منهم النووي وغيره كانوا متشددين في المسألة هذه، والشوكاني مؤخرا زعموا أن فيها إجماع، كذلك بالنسبة لفاطمية الإمامة.


بدر العبري:  هنا لم تقل مثلا قرشية الإمامة، لماذا؟

محمد عزان:  لأن عندا مدرستان في السياسة ، مدرسة الخلافة ومدرسة الإمامة مدرسة الخلافة لديهم خلفاء، ومدرسة الإمامة لديهم أئمة؛ فلذلك الخلاف الشيعي السني ليس خلافا فكريا، وليس خلافا فقهيا، وليس خلافا دينيا، هوخلاف سياسي؛ لأن أبرز مسألة يختلف فيها الشيعة والسنة هي الخلافة، ومن قام بها عند السنة، والإمامة ومن قام بها عند الشيعة؛ فلذلك هذه مسألة سياسية استنفر لها الدين، باعتباره حالة عاطفية تقنع الناس، فكانت وسيلة الإقناع هي الحالة الدينية العاطفة الدينية والنص الديني وإلا فالمسألة مسالة سياسية.


بدر العبري:  نعود إلى القرن الخامس الهجري معنا كتاب (التبصرة في التوحيد والعدل) للإمام مؤيد بالله أحمد الحسين الهاروني ـ رحمه الله ـ، نحن عندما ننظر في هذا الكتاب نجد توافق كبير بين المدرسة الزيدية وبين المدرسة المعتزلية، بصورة كبيرة في الأصول الخمسة، وكذلك في فلسفة تقديم العقل على النقل. أيضا لو نعطي ماذا يعني تقديم العقل على النقل في المدرسة الزيدية؟ وأيضا نجد توافق بين المدرسة الزيدية والإباضة فيما يتعلق بعلم الكلام في الرؤية في خلق القرآن في الخروج في القصايا الصفات، بل حتى في الفقه، نجد تشابه كبير بين المدرستين في الفقع؛ سوالي هنا يعني هل تأثرت المدرسة الزيدية بالمعتزلة، أم أن المعتزلة هي التي تأثرت بالزيدية؟

محمد عزان:  طبعا المعتزلة هم أصحاب منهج جدلي، الزيدية أخذوا المنهج وضعوا فيه ما لديهم من مواد؛ فالمواد هي مواد زيدية،لكنهم استخدموا المنهج المعتزلي الجدلي، الذين أخذوه المعتزلة أساسا من الفلاسفة، فلذلك هم الزيدية استخدموا أدوات المعتزلة لكن في تسويق ما لديهم، فالقارئ بشكل سطحي يعتقد أنها نفس المدرسة مع أن هنالك اختلاف، قد يكون هنالك توافق، الزيدية تتوافق مع الأشعرية، تتوافق مع المعتزلة، تتوافق مع الإباضة كما ذكرتم في مسائل كثيرة، والتوافق هذا لا يعني أن هذا يتبع هذا، ولكن لأن الكل ينبع من مشكاة واحدة؛ المعتزلية الإباضية الزيدية كلهم أصلهم واحد، فهنالك التشابه موجود بينهم، إنما اختلفوا في المنهج، فهذا هو الذي جعل البعض يعتقد بأن الزيدية هم معتزلة، طبعا هنالك مسائل عميقة في الاختلاف بين الزيدية والمعتزلة، فمثلا الزيدية في مسألة العقل لا يطلقون العنان للعقل كما تطلقه المعتزلة، الزيدية لديهم عقلين، العقل المطلق، والعقل الشرعي؛ العقل المطلق هذا يتحدث في ما وراء الشرع، في المسائل المفتوحة، وهنا يحكمون العقل فيما يتعلق بالعقل، لكن هنالك العقل الشرعي الذي مفرداته شرعية؛ لأن نعلم بأن العقل هو مجرد وعاء للمعارف؛ فهنالك معارف عقلية، وهنالك معارف شرعية، المعارف الشرعية عندما يحركها العقل يسميها العقل الشرعي، وهو أنه يتحدث داخل المفردات الشرعية، فهم يتقيدون بهذا، ولهذا تجد أنهم في كثير من مسائل الفقه التي صح فيها النص يحيدون العقل، إما أن يقولوا لأنا لا نعرف تفسيرها حتى الآن؛ الحكمة لدى المشرع، ويسمونها في الفقه الزيدي تعبد، وقد يكون المعنى معقولا لكن لم يتوفر لي ذلك فقط، أما المعتزلة فهم يعولون على العقل أكثر من النص، يعني يحاكمون النص إلى العقل، لكن العقل المطلق، وهذه مشكلة، وليس العقل الشرعي لأن العقل المطلق أحيانا يأتي بنتائج صحيحة لكن في خارج إطار الشرع، السؤال هنا؛ هل هنالك تعارض بين العقل والشرع؟ طبعا نقول لا، ليس هنالك تعارض، لكن أحيانا الجانب الشرعي التعبدي يتحدث عما وراء الحس، وهذا غير محاط به عقليا، وبالتالي لا بد أن يكون هنالك شيئا من التسليم لما وراء الحس.


بدر العبري: هل نستطيع أننا نقول: إن الزيدية هي الحافظة حقيقة للفكر المعتزلي؟

محمد عزان:  لا شك؛ لأنهم احتفظوا بالمنهج المعتزلي، المنهج الجدلي المعتزلي، احتفظوا به سواء كتراث معتزلي، أو حتى أفرغوا ما لديهم فيه، وخصوصا من القرن الخامس، قبل القرن الخامس لم تكن هنالك الأدوات المعتزلية.


بدر العبري:  نذهب الآن إلى ما يتعلق بعلم الحديث أو الرواية؛ طبعا من مصادر الزيدية المعروقة مجموع الإمام زيد، المخالفون يشككون في نسبة هذا الأمر إلى الإمام زيد، وأحيانا حتى يتحدثون في شخصية أبي خالد الواسطي المتوفى 233هـ، يعني علماء الزيدية يوثقونه ومخالف الزيدية يقدحون فيه. ما صحة نسبة هذا الكتاب إلى الإمام زيد، ومكانة هذا الكتاب في الفقه الزيدي؟

محمد عزان:  أولا الزيدية ليسوا محدثين، وبالتالي الحديث ليس فنهم، وهذا يجب أن يعترف به؛ لأن لكل فن رجاله، الفقه له ميدا والحديث له ميدان، والكلام لخ ميدان، وأما بالنسة لمجموع الإمام زيد، الذي جمع المجموع هذا هو عبد العزيز بن إسحاق البغدادي المتوفى سنة 385هـ تقريبا، سمي بمسند الإمام زيد؛ لأن هذا الكتاب تضمن كل ما روي عن الإمام زيد، كما هنالك مسند أبي حنيفة، ومسند عمر بن عبد العزيز، ومسند سفيان الثوري، ومسند فلان وفلان. هؤلا لم يدونوا تلك الكتب، ولكن من أتى بعدهم جمع الروايات التي تروى من طريق فلان في جزء وسماه مسند فلان، دعوى بعض الزيدية منا أن الإمام زيد دون هذا الكتاب بقلمه دعوى تحتاج إلى براهين، يعني ليست بتلك القوة؛ لأن الكتاب هذا لم يعرف قبل عصر عبدالعزيز بن إسحاق البغدادي، لم يعرف، يعني هنالك حوالي 150سنة، يعني لو كان هذا الكتاب موجودا لتحدث عنه علماء الزيدية، أما الكلام عن أبي خالد فهو كغيره من سائر الرواة، لكن الحكم في قبول رواية المسند من عدمها هو تقييم الرواية، إذا رويت أيضا من غير طريق أبي خالد فلا مناص من الحكم أن أبو خالد لم يكذبها؛ لأنها رويت من غير طريق أبي خالد، وأما ما تفرد به أبو خالد، أو غير أبي خالد لا بد من التوقف عنده؛ لأنه إذا تفرد الرواي برواية فهو محل تساؤل، حتى وإن كان من الثقات العدول.


بدر العبري: ويلاحظ أن المدارس الأولى: المدرسة الإباضية، والمدرسة الزيدية وحتى المدرسة المالكية مدارس مقلة في الرواية، حتى هذه المسايند الأولى قليلة في عدد رواياتهم. لك بحث جميل في عرض الحديث على القرآن الكريم، وأنا قرأت للشيخ عبدالله العزي في علوم الحديث عند الزيدية أن من قواعد الزيدية عرض الحديث على القرآن الكريم، بدأت المدارس التي لها جانب روائي قوي تلتفت إلى هذه القاعدة، ونحن بحاجة إليها. أنت من خلال دراستك؛ كيف تقيم هذه القاعدة؟ وكيف نتعامل معها الآن؟

محمد عزان:  نحرص في البحث هذا أن نبرهن بأن فكرة عرض الحديث على القرآن ليس رأي الزيدية فقط، لكن هذا الذي مارسوه حتى الصحابة كممارسة؛ عائشة عرضت، ابن عمر عرض، ابن مسعود عرض، وذكرت الروايات، كانوا عندما يشتبهوا في شيء، حتى عمر بن الخطاب في قوله: حسبنا كتاب الله، هذا عرض عندما اختلفوا في مسألة الوصية ليس الوصية في الخلافة، كان هنالك حول موضوع آخر فاختلف الصحابة فقال حسبنا كتابنا الله، يعني هذا نوع من أنواع العرض، وأثبت أن الصحابة عرضوا، والتابعين عرضوا، وأئمة المسلمين عرضوا، رواية عن أبي حنيفة وعن الشافعي وحتى عن ابن تيمية. ابن تيمية نفسه رجح أحاديث في صحيح مسلم على أحاديث في صحيح البخاري بناء على العرض، وقال: رواية صحيح مسلم مقدمة على البخاري؛ لأنها هي الموافقة للقرآن، لكن بقينا في مسألة العرض الذي انزعج منه بعض المحدثين؛ فيقولون إذن إذا كانت المسألة مسألة العرض عرض على القرآن فأين كل حديث في القرآن؟ وقاعدة العرض لا تعني هذا أبدا، وإنما تعني أنه إذا كان هنالك نص مخالف لمضمون القرآن، نتوقف عنده، أما إذا كان هنالك نص لا يتعارض مع القرآن ولا يجيء في القرآن ما يدل عليه فلا مانع من التعاطي معه، المهم العرض هو المعارض للمصادم للنص القرآن، لو الآن وجدنا حديث يتكلم عن بر الوالدين في الجملة لا يتعارض، طبعا مسألة أن نقبل حديث ممكن أن نقبله، لكن مسألة أن ننسبه إلى النبي يحتاج إلى شيء آخر؛ لأن المشكلة ليست في المعنى، لكن في النسبة. أنا عندما أقول قال فلان ولم يقل: هذه مشكلة حتى وإن كان الكلام جميل.


بدر العبري: هل ترون في المدرسة الزيدية أن الحديث النبوي وحي آخر مع القرآن؟

محمد عزان: لا، الحديث النبوي هو شرح للوحي، وليس وحيا؛ لأنه مروي بالمعنى، ليس هنالك حديث مروي باللفظ، كل الأحاديث الموجودة في التراث الإسلامي نقلت بالمعنى، وبالتالي هذه ألفاظ الناس، وليس حتى ألفاظ النبي.


بدر العبري:  لك بحث عن حديث الافتراق قد يأتي في نفس هذه القاعدة، مثلا السقاف رد هذا الحديث لمعارضته القرآن؛ لأن الحديث وضع الأمة أسوأ أمة بينما القرآن يقول كنتم خير أمة للناس، ممكن تحدثنا عن ذلك؟

محمد عزان:  أنا درست الحديث من جانبين؛ من جانب السند ومن جانب المعنى بالنسبة لسند الحديث هنالك تداول للحديث بشكل كبير، لكن عند البحث في الحديث بشكل دقيق نجد أنه ليس بذاك ليس تلك الرتبة، الحديث روي من أكثر من طريق، ولكن كل طريق فيها مقال يحول دون الاحتجاج بكل طريق بمفرده، لكن مجموع الروايات يمكن أن نقول في الجملة أنه قيل أنه هنالك افتراق، لكن هنالك تفصيل هنالك إضافات وردت في روايات دون روايات، وخصوصا أنها وردت في رواية ضعيفة، فمثلا الحديث الأكثر شهرة وتداولا ليس فيه كلها في النار إلا فرقة الحديث الأكثر تداولا أن ستفترق أمتي إلى ثلاثة وسبعبن فرقة لكن كلها في النار إلا فرقة وردت في بعض الروايات، وليس كلها وردت في الروايات الضعيفة، هذا شيء والشيء الآخر أن الحديث مروي بالمعنى لأن مصطلح فرقة في زمن النبي لم يكن معروفا كعنوان للجماعة الدينية، لم يكن هنالك يعني فرق، لكن يمكن في جملة الأحاديث إذا لم نضطر إلى رد الحديث أن النبي أشار إلى أن هنالك افتراق في الأمة. طيب ما حقيقة هذا الافتراق؟ حقيقة هذا الافتراق هو أن الناس هنا مراتب مثل شعب الإيما ثلاثة وسبعين شعبة واستخدام ثلاثة 73 لا يعني النصية في 73 نعدها، وإنما العرب تستخدم 70 و73، و75، وما أشبه ذلك للمبالغة في الأعداد، من هنا جاء أن اليهود افترققوا إلى 71 فرق، والنصارى 72، يعني أن الفرق السابقة زايد واحد، والمسلمين إلى 73، يعني الفرق السابقة زايد واحد، يكون الافتراق معناه هنا المراتب، كأنه يريد أن يقول: أمتي ثلاثة وسبعين رتبة، وليست أسوأ، يعني ممكن أن نقول 10% و20% ...إلخ، يعني هم كما قال القرآن: هم درجات عند ربهم.


بدر العبري: في الحركات المعاصرة الناقدة للرواية كالقرآنية وما شابه ذلك؛ هل لها حضور في المجتمع الزيدي؟

محمد عزان:  هي موجودة من زمن في المجتمع الزيدي، لكنها مضبوطة، يعني الاعتماد على القرآن لا يبرر إهمال النص النبوي، لكن لا نضع النص الحديث النبوي في مرتبة القرآن لا من حيث الثبوت ولا من حيث الدلالة، لأن النص النبوي مروي بالآحاد، ان أزعم أنه ليس هنالك متواتر، ولي بحث في هذا المجال، عملت بحث مستقل في أنه ليس في الحديث متواتر، كلها آحاد، والتواتر المعنوي موجود لكن التواتر المعنوي لا يحق لك أن تحلل اللفظ، وبالتالي الاعتماد عليه جملة، والتواتر المعنوي لا يأتي في قضية أيضا موجودة في القرآن، لا يمكن أن ياتي حديث فيه تواتر معنوي في قضية لم يأت بها القرآن، وبالتالي الاحاديث آحاد، الأحاديث ظنية الأحاديث مروية بالمعنى، وهذه الثلاثة الأشياء تجعلنا نتعامل مع الحديث بطريقة أكثر مرونة، بعيدة عن الحدة، لأن الآن نعمل معركة على حديث، مع أنا إذا دققنا في الحديث نجد أن هذا هو لفظ الراوي، وليس لفظ النبي. مع أن بعض الفقهاء يحلل اللفظ يقول مثلا وقدم لواو على الفاء وقدم الفاء على الواو وجاء بكذا، وهذا فقط في القرآن، أما في الحديث هذا فقط من كلام الرواة.


بدر العبري:  يعني هنالك تهمة عند المدارس الأخرى لكل من عمل عقله مثلا أو راجع حديثا ليس سائدا في المجمع العام يتهم مباشرة أنه منكر للسة أو ما شابه ذلك. هل هذه التهمة موجودة عند التقليديين الزيدية؟

محمد عزان:  لدينا فرق بين الحديث والسنة؛ الحديث ليس هو السنة، والسنة ليس هي الحديث، الحديث شيء والسنة شيء آخر، السنة يمكن أن تطلقها على السنة العملية المتواترة بالمعنى؛ لأن معنى سنة فلان طريقته في الحياة، أما الحديث الذي هو رواية فهو حديث رواية، مراجعة الحديث، نقل الحديث، مراجعة الرواية، ترك الحديث نفسه لايعني ترك السنة.


بدر العبري: هنالك ظهرت شخصيات قد تكون مثيرة في الوسط الزيدي مثل الشوكاني، مثل ابن الوزير، والصنعاني، وما شابه ذلك. هل هذه الشخصيات زيدية أو هي تأثرت بمدرسة أهل الحديث؛ فخرجت عن الأطر الزيدية؟

محمد عزان: الذي يعرف الزيدية يعرف أنها مدرسة اساسا منفتحة جدا على الآخر، يعني تقرأ كتب المذاهب الأخرى كما تقرأ كتب الزيدية، هذا الأساس في هذا، لكن هنالك تيارات متعصبة في الزيدية كما في غيرها، الشوكاني مثلا نستطيع بأن نقول: إنه انتقل إلى المدرسة السنية، هو صحيح ان أصوله زيدية ودراسته زيدية وأصله زيدي، لكنه تبنى المذهب السني أصولا، وفروعا، ومنهجا، وقواعدا، ومرجعيات، وكل شيء. لكن ابن الوزير لا، ابن الوزير زيدي، لكنه منفتح على أهل السنة، وهو جادل الزيدية فيما يتهمون به أهل السنة في بعض القواعد، لكنه لم ينتقل بكل التفاصيل، الرجل مجتهد، لا يصح أن نقول بأنه خرج، حتى انه عندما سأله بعضهم، قال: ما أجمل كلامك يا سيد لو أنك أتبعت هذا بتقليد الإمام الشافعي، قال لو كنت مقلدا أحدا لقلدت جدي القاسم بن إبراهيم؛ لأنه عنده عالم كبير؛ فبتالي هو مجتهد، كذلك المقبلي، والحسن الجلال، ومحمد بن إسماعيل الصنعاني.


بدر العبري: هل أثر هؤلاء في المعتقد الزيدي؟

محمد عزان:  نعم، أكيد أثروا. لم يكن لهم عقيدة مفارقة لعقيدة الزيدية في الكليات، ولذلك قال محمد بن إبراهيم الوزير: ديني كأهل البيت دينا قيما متزها عن كل معتقد رديء، يعني مثلا في الرؤية محمد بن إبراهبم الوزير غاية ما هنالك أنه ناقش الرواية. كيف ناقشها؟ ردا على بعض الزيدية الذي يحاول أن يبسط المسألة ويقول: لم يرو في هذا إلا حديث وائل بن حجر وهو متكلم فيه، قال لا أنتم غلطانون، هنالك روايات أخرى ذكرها ليس من باب إثبات الرؤية لكن من باب تصحيح الخطأ في اعتقاد أن هنالك إلا رواية واحدة.


بدر العبري:  أنتم تقولون السادة الزيدية على أن الإمامة تكون في ذكور من البطنين؛ الآن مع قضية الديمقراطية والانفتاح على الدولة المدنية هل هذه النظرية أصبحت صالحة؟

محمد عزان: لم تعد صالحة والزيدية في هذه النظرية كالقرشية يعني هذه فكرة جاءت نتيجة لصراع مجتمعي بدأه الأمويون عندما زعموا أول شيء بدأه قريش عندما زعموا أن الخلافة في قريش، وهذا طبعا كان رأي منهم ، حتى أن أبا بكر عندما قال: العرب أو الناس لا يعرفن هذا الأمر إلا في قريش، لم ينسب هذا الحديث إلى النبي لم يقل انه حديث وإنما تحدث عن ظاهرة اجتماعية، ثم جاء الأمويون أكدوها بل زعموا ان الخلافة من حق الأمويين، جاء العباسيون أكدوها باعتبارهم جزء من قريش، وزعموا بأن الخلافة حق للعباسيين، ثم هنا ظهر العلويون، وقالوا: إذا كانت المسألة مسألة دين؛ فنحن أقرب إلى النبي منكم، نحن أقرب من بني أمية، ونحن أقرب من العباس فالباتلي نحن أولى بها؛ فالمسألة كانت كانت مسألة جدال سياسي لم يقم على هذه المسألة عند الزيدية ولا عند غيرهم نص ديني ملزم، حتى دليل الزيد أهم دليل عندهم هو مسألة الأولية إذا صحت دعوى بني أمية، ودعوى قريش، ودعوى بني العباس؛ فدعوانا اصح.


بدر العبري: بعد سقوط الدولة المتوكلية طبعا على يد أحمد حميد الدين، ومن بعده ابنه 1962م. فمن بداية السلال وحتى علي عبدالله صالح؛ هل شعر الزيدية بفراغ بعد تلك المرحلة، مرحلة الإمامة طبعا الطويلة في التاريخ؟

محمد عزان:  نعم كان هنالك شعور بالغبن والفراغ، مع أنها كانت في بداية الثورة، أما في الفترة الاخير الجمهورية أتاحت للناس حرية التعبير، والمدارس الزيدية عملت، وكانت تتحرك بشكل طبيعي، يعني فقط بعض الثورات باعتبار أن هنالك من أراد أن تكون الثورة على الفكر، وليس على النظام، وهذه كانت غلطة الثورة؛ لأنها استعدت الفكر، ولم تواجه النظام، لكن فيما بعد تعودت الأمور وعاد الناس إلى أعمالهم.


بدر العبري: من الملاحظ أيضا في الإمامة في اليمن ظهور إمامة إسماعيلية التي هي الصليحية. هل وجود إمامة إسماعيلية كان يعني أن الطائفة الإسماعلية لها كثرة في اليمن، هل هنالك توافق بين الإسماعلية والزيدية؟

محمد عزان: الإسماعيلية لم يكن لها حضور خفيف . كانت حاكمة، و الإسماعيلية كان لهم دور كبيرجدا في اليمن، وكان عصرهم من أكثر العصور ازدهارا؛ لأن الإسماعيلية هم رجال دولة، طبعا لم يكونوا على اتفاق مع الزيدية، كان هنالك صراع، والزيدية بحكم كثرتهم وانتشارهم استطاعوا أن يهولوا على الإسماعيلية، وأن يلحقوا بهم الأذى الكبير، يعني نحن مدينون للاعتذار للإسماعيلية.


بدر العبري:  هنالك محاولة تشويه كبيرة مثلا لأحمد حميد الدين خاصة من قبل الناصريين في الأفلام وفي كذا، هل هذه الصورة صحيحة، في حق هذا الرجل، أو مبالغ فيها؟

محمد عزان:  في عادة الصراع السياسي كله يظهر بهذا الشكل، يعني إذا قامت جماعة على أنقاض أخرى تشوه هذه ترميها بكل حجر ومدر، وكذلك الثناء إذا خلف الابن أباه جعل منه قديسا وبالتالي نحن لا نصدق هذه الأشياء ونضعها في باب المزايدة؛ لأن الانتقاء موجود، نحن بشر، تستطيع من خلال هذه الكلمة التي ألقيتها الآن الحديث معكم أن تنتقي منها عبارات صحيحة أنا قلتها، ولكن ممكن لو تجمعها لحالها تطلع كلام سيء للغاية، فالانتقاء موجود فكيف بعشرين سنة وثلاثين سنة...إلخ، وبالتالي نحن نتعامل مع هذه الأشياء كنوع من المزايدة.


بدر العبري: أنت في عام 1990م أسست جمعية الشباب المؤمن، ما الهدف من هذه الجميعة؟

محمد عزان: الشباب المؤمن كانت فكرة تربوية، وكنت جزء ممن أسسوها ،لست بمفردي، نحن جماعة وأردنا فقط أن نهتم بالميدان التربوي، كما تهتمون الآن، محاولة تقديم رؤية جديدة تجمع بين الأصالة والمعاصرة، تنظر إلى المستقبل بتفاؤل، تجمع الشمل، توحد الأمة، يعني نوع من إيجاد رؤية جديدة بعيدة عن الحدة وأيضا التخلص من شيء من الموروث التقليدي الذي أثقل الكواهل؛ لأن في الموروث ما يصح أن يضل هناك في الماضي مع احترامنا له، لكن أن نستحضره في الحاضر، ونجعله بدل الحاضر فهذا فيه خطورة، فاستمرت الحركة والحمد لله لقيت قبول بشكل ممتاز، إلى آخر ما هنالك، لكن صاحب هذا النجاح حالة من الاضطراب هذا يتخوف سياسيا وهذا يتخوف دينيا، وحلقت علينا مجموعة من الخصومة سواء الخصومة الدينية أو الخصومة السياسية، ودخلنا معهم في صراعات جزئية إلى عام 2001م، لكن الأخ حسين بدر الدين رأى أن هذا النوع من الدعوة المرنة المفتوحة السهلة لا يمكنها أن تستمر لا بد من جماعة تكون شديدة، أول شيء شديدة فكرا، تضع خطوط فاصلة بينهم وبين الآخر، طبعا كان البداية الاستفزاز السلفي هو الذي خلق عند المجتمع حالة من المقاومة؛ لأنهم جاءوا بدلا أن يركزوا على القيم العامة جاءوا يركون على الخصوصيات المذهبية، بلا أن يقولوا نحن ندعوكم إلى بر الوالدين وطاعة الله وإصلاح الحياة والأخوة والتسامح، لا جاءوا يركوا على القراءة على الميت، الرؤية، الضم والإرسال، حي على خير العمل، التركيز على الخصوصية الدينية حتى شعر الناس بأنهم مستهدفون.


بدر العبري:  هل نستطيع أن نقول أن الجماعة الحوثية انبثاق من جماعة الشباب المؤمن؟

محمد عزان: لا، الأفكار والخلفية واحدة؛ كوننا أبناء بيئة واحدة، ومذهب واحد، لكن برؤية مختلفة. نحن كنا في الشباب المؤمن نرى أن صناعة المجتمع على ما هو إصلاحه في مكانه هو الصواب، لا يحتاج إلى نقلة، إبعاد هذا واستبداله بشخص آخر، الأخ حسين كان يرى أنه لا بد من وضع علامات فاصلة، أنا زيدي وأنت سني أنت شيء وأنا شيء، لا بد أن نعترف بهذا، وبعد أن تكون أنت شيء وأنا شيء هنالك حق وباطل، يا أنا يا أنت، بينما كان رأينا نحن لا، الحق والباطل يمكن أن تكون على جزء منه ويمكن أن أكون على جزء منه، يمكن أن يكون هذا حق بالنسبة لك، وليس حقا بالنسبة لي لأنه هو الذي تجلى لك، والله لا يكلف نفسا إلا ما آتاها، فما أؤتيت من العلم فأنت مدين به ومطالب به، قد تكون أعلم مني بمسألة أو أنا أعلم منك بمسألة فتكليفك غير تكليفي عند الله، مطالبتي لك بأن تكون مثلي سخافة؛ لأنه لكل إنسان مورد في المعرفة.


بدر العبري:  أنتم تعرضت لحالة صراع مع المدرسة التقليدية في المذهب الزيدي السلفي. ما أهم معالم هذا الصراع؟ مثلا أيضا المدرسة الإصلاحية في الجانب السني تعرضت عند الإمام محمد عبده وجمال الدين الأفغاني، وأيضا عند الإباضية تعرضوا عند الشيخ بيوض مثلا، هل أنتم أيضا تعرضتم لجوانب شكلية، أو حتى في الجوهر؟

محمد عزان:  المعروف بأن الصراع بين القديم والجديد؛ لأن القديم يشعر بأن الجديد جاء يغير المألوف يغير المعروف، يغير كذا، فيحصل حالة من التمترس والشدة، وهذا الذي حصل معنا، حتى أننا اتهمنا بأننا نميع المذهب، عندما تدعوا إلى شيء جديد عندما أقول الإباضي هذا أخي، وهو مصنف عندهم عدوي، يكون هذا في مشلكة بالنسبة له، فيحصل لديها حالة من الشعور بأنك تريد أن تضيع المذهب، أو عندما أقول بأن الإمام علي شخص عظيم ولابأس وكذا، ولكن ليس هذه النصوص وهذه القداسة ليست بتلك، فيجيء يقول لك لا أنت تقلل من شأن الإمام علي؛ لأنه يرى أن الكمال أنت تتكلم بغلو، ونحن نرى أن الكمال أن تتكلم باعتدال.


بدر العبري: ظهور بعض العادات والطقوس كالشعائر الحسينية هل هذا في السابق موجودة في المجتمع اليمني أم نتيجة الانفتاح على المجتمعات الشيعية الأخرى، وخاصة الشيعة الإمامية؟ وثانيا ما أهم الرموز الزيدية حاليا الرموز العلمية الموجودة؟

محمد عزان: الشعائر الحسينية هي نوعان فيه شعائر حسينية حق الجعفرية، وهذه لا يقيمها الزيدية يقيمها الجعفرية الموجود في اليمن، لأن موجود في اليمن منهم، الشعائر الحسينية نحن لا نسميها شعائر ولا نرى أنه لا بد أن نقيمها وما كنا نقيمها من قبل، وإنما هي عبارة عن ذكرى ذكرى ليست شرعية ليست ملزمة ليست كذا ، عبارة عن ذكرى مناسبة عاطفية، مسألة اعتبارية يعني ليست من الأمور  لازم يحضر الإنسان أو يلبس شيء معين. فالشعائر التي هي عبارة عن مهرجان أو لقاء أو ندوة أو كذا أقيمت أو لم تقم هذا منسوب إلى الزيدية، أما تلك الشعائر الخاصة إما باللطميات، وإما بالبكاء، أو ذكر القصص، أو إضاءة الشموع، فهذه الذي يقيمها في اليمن بشكل عام هم الجعفرية، وليس الزيدية. كان عندنا مجموعة من العلماء لكن معظمهم الآن آخر واحد توفي حمود عباس المؤيد، كان هنالك طبعا هنالك مشائخنا ... الدين، بدر الدين، علي العجري، محمد المنصور، أحمد زبارا، الميد، لكن الآن توفوا رحمهم الله، وباقي الخير في الباقي.

تم عمل هذا الموقع بواسطة